صدر مؤخرا عن دار الأهلية للنشر والتوزيع في عمان كتاب "رحلات في شرق الأردن: أرض مؤاب، رحلات واكتشافات في الأردن والجانب الشرقي من البحر الميت" من تأليف الرحالة البريطاني البروفيسورهـ. ب. ترسترام وتعريب الدكتور أحمد عويدي العبادي، وقد صدر الكتاب لأول مرة في بريطانيا عام 1873، وكان ترسترام على رأس بعثة علمية من الجامعات البريطانية. ابتدأت الرحلة في الأردن برفقة الشيخ سطام بن فندي الفايز من غور الصافي ثم الكرك وقراها، فوادي الموجب وذيبان وأم الرصاص وزيزياء وناعور وحمامات ماعين ومكاور وشواطئ البحر الميت، ومن هناك إلى القدس. وفي منخفضات البحر الميت والمرتفعات المطلة عليه يصف منظر الأفق عند الغروب بأنه جميل وبراق لم ير مثله من قبل، فقد كان الأفق محمرا بلون البرتقال، وعليه شرائح كبيرة من الأشعة المكثفة، وأدهشه أن العرب لم ينجذبوا إلى هذا المنظر المدهش، فقالوا له ببساطة إنهم يرونه دائما. يستخدم ترسترم الأسماء التوراتية للأماكن، وهذا يجعل من الصعب على المثقف العادي الذي يقرأ الكتاب معرفة الأسماء المستخدمة، وهو بعامة لا يرى في مشاهداته ودراساته إلا تاريخا توراتيا أو رومانيا أو إغريقيا أو فارسيا، ولم يسمع أو يشاهد شيئا من التاريخ العربي الإسلامي، حتى القصور والمساجد والقلاع العربية يراها فارسية ورومانية، وربما يكون جديرا بالتذكر والاعتبار أن العرب في ذلك الوقت لم يكونوا يحملون ضغينة وعداوة تجاه اليهود، ولا يجدون حساسية في استخدام الأسماء والمصطلحات اليهودية والعبرية التي قد تكون مستخدمة لدى العرب أيضا، بل إن بعضهم كان يتسمى بأسماء عبرانية تاريخية، كما أن بعض الأسماء التي اتخذت طابعا عبريا ويهوديا مثل "جلعاد" وأورشليم/ أور سالم (من السلام) هي في أصلها عربية. كان غور الصافي تحت سيطرة بني عطية وحلفائهم الذين يقيمون عادة في السفوح وأتباعهم من الغوارنة، وكان ذلك العام (1872) مجدبا، فلم يكن في الغور نبات ولا زهور وزروع بخلاف سنة سابقة يتحدث عنها ترسترام، ولم يشاهد سوى حزام من الغابات البرية والصفصاف والحلفا وبعض حقول الذرة والقمح والشعير. وانطلقت البعثة من الصافي إلى الكرك برفقة وحراسة "ابن المجالي"، ويتحدث في وصفه للطريق عن قناة مائية عميقة تسمى "نهر المراهشة" وسبخات مالحة، ووادي نميرة، وسيل خنزير، وجبل الأراك (هل التسمية نسبة إلى شجر الأراك؟) وبقايا قلعة كانت تشرف على الطريق، ويفترض أن نميرة هو نمريم مؤاب المذكور في التوراة. وبعد أربع ساعات من المسير من الصافي يأتي وادي عسال، الذي يجري فيه جدول مائي عذب يسر الناظرين، وبرغم الماء في المنطقة فقد كان المكان المدهش بجماله مهجورا وموحشا. ويبدو أن المسير كان في اتجاه شمالي شبه أفقي يصعد تدريجيا في السفوح المطلة على البحر الميت، فبعد ثمانية ساعات أطلوا على غور المزرعة من ارتفاع 650 قدم فوق البحر الميت، أي أنهم مازالوا تحت سطح البحر، وكان غور المزرعة مخيما للغوارنة، الذي كان فيه على الأرجح مزارع ومطاحن للسكر لكنها لم تعد موجودة عندما مر بها ترسترام، وبما أن هذه المعلومة قدمها له الأهالي والمترجمون ولم يذكرها من قبله الرحالة "بالمر" فلا بد أنه برأي ترسترام "مجرد إعادة لم قالوه لنا في الصافي، وربما لا تجاوز كونها طواحين ماء عادية" وللوصول إلى الكرك لا بد من العبور من ممر تسيطر عليه قلعة اتخذها اللصوص مركزا لهم، ولا بد أنها كانت مركزا من قبل للقادة الصليبيين المتوحشين (كما يصفهم ترسترام) والذين نهبوا قافلة للحجاج، وكانت هذه الحادثة سببا لمعركة حطين الحاسمة في الصراع العربي الفرنجي (الصليبي)، ومن هذه القلعة يمكن أن تطل على البحر الميت وفلسطين والسهول والمناطق الممتدة، وفي هذه الممرات يمكن لكمين يتكون من مجموعة قليلة من الرجال أن تأسر جيشا بكامله. ومع صعودهم في الجبال بدأت الحياة تظهر، فقد كان البدو والفلاحون يخيمون مع مواشيهم في سفوح الجبال، ويزرعون الأودية بالزيتون والتين والرمان والعنب بالإضافة إلى الزراعات الحقلية. لم يكن ثمة معلومات حسب ترسترام عن الكرك سوى ما ذكره بيركهارت، ولذلك فإنه يجد لزاما عليه أن يصف الكرك ويقص معاناته فيها وما لقيه من مخاطر. ولم يكن للكرك سوى مدخلين، وهي بالنسبة للعدو حصن منيع لا سبيل للدخول إليه، وتجعلها الأبراج المطلة بفتحات الرماية مسيطرة على أية جموع معادية قادمة إليها أو محيطة بها، وفي قلعتها أدراج وأقبية وقناطر وأنفاق وآبار وممرات سرية حتى إنها تعذرت على إبراهيم باشا في حملته على الشام. وفي الكرك استقبل البعثة شاب من الكرك في مقتبل العمر يدير مدرسة كنسية، وقد تلقى تعليمه في القدس، وكان شابا متعلما مثقفا، واستقبلهم في بيت كركي يتم الدخول إليه عبر باب خفيض مبنى على هيئة قوس من الحجارة، وغرفه مسقوفة بعقود متتابعة من الحجارة مع عوارض خشبية، وفي أرض البيت رخام جميل وبقايا أعمدة رومانية. وفي الكرك والربة قامت البعثة بجولة مسحية استكشافية للمواقع الواردة في التوراة، فيذكر جوبا ومحنة المليئة بالآبار العامة والخاصة استجابة لطلب الملك ميشع الذي طلب أن يكون في كل بيت بئر ماء، وربما تكون محنة هي مخراث المذكورة في حجر مؤاب، حيث عمل ميشع على إرسال السكان إلى أتاروت لاجتثاث بني إسرائيل. وقريبا من محنة توجد جلول أو جلجون حسب بيركهارت، وعلى بعد 35 دقيقة مسيرا بالخيل تقع مؤتة، وهي أيضا مونثي عند بيركهارت، وموتي أو حارناتا عند إربي ما نغلز، وبعد مسير ساعة ونصف تقع بئر مدين ومدينة قديمة. يصف ترسترام بئر مدين بأنه كهف طبيعي بعمق عدة أقدام، ويتغذى من نبع جار تحت الأرض، وتأثر ترسترام بسلوك المسافرين الذين يملأون الأحواض الصخرية بالماء ليستفيد منها من يأتي بعدهم، ويقول إنه لولا ذلك لما استطعنا سقاية الخيل، فلم يكن معنا وعاء أو دلو أو حبل. كانت الآثار كما شاهدها ترسترام في حالة جيدة، الجدران والمعاصر والتوابيت والأبواب والنصوص المكتوبة، ومن القرى التي ذكرها ومر بها وجمع عنها بعض المعلومات لكنه لم يعرض هذه المعلومات في الكتاب: ديمون وياروت وبتير وهدادة وباكون وزيرار وحمود وأزور وذات راس، وأم حي والعينة وفلخة ومورية وحماد وسؤول وعنرار وبيدثان والفتيان وعيد شينش وعمارة البردان وساهدونة وغيرها. وكان عدد سكان الكرك ثمانية آلاف نسمة من بينهم ألف وستمائة من المسيحيين. وفي الطريق إلى الربة مرت البعثة بعدد من الخرب مثل سويينة، ودوينية وراكين ومخرست، وسلكت البعثة الطريق الروماني الممتد من الشمال إلى الجنوب، وكانت مازالت مرصوفة لكنها معطوبة في بضع المواقع بفعل الزمن والمطر. الربة هي ربة مؤاب ويصفها بأنها مدينة الكتاب الإغريق والرومان، وقد جاء اسمها من كلمتين، هما آر و أبه أي نجمة الصبح. وتحركت البعثة إلى الموجب وذيبان، التي استغرق الوصول إليها من الربة ثماني ساعات، واستقبلهم فيها ابن طريف شيخ الحمايدة، والذي يصفه بالنبل والشهامة العربية، ورافق البعثة في جولة في المنطقة، وكان كما يصفه ترسترام يشعر بالاعتزاز بانتمائه إلى المكان وحضارته وكونه ينتمي إلى القوم الذي بنوا هذه الحضارة الماثلة آثارها. في ديرة الصخور والحمايدة حيت توجد كنيسة أم الرصاص (وهي الكنيسة التي استقبل فيها الراهب بحيرى النبي محمد في رحلته التجارية، ويبدو أن أم الرصاص كانت محطة مهمة للقوافل التجارية العربية، وبالطبع لم يشغل المؤلف نفسه بهذه القضية، ولكنها من ملاحظات المترجم) وخانات وآثار كثيرة كان الحجل يعيش بكثرة، ويصف الصخور بأنهم سريعو البديهة، وشاهدت البعثة آثارا تدل على استخدام واسع ومتطور للأرض في الزراعات المختلفة، لكنها لم تعد كذلك، ويتحدث عن بئر ماء في أم الرصاص بعمق ثلاثين ياردا وبئر أخرى بعمق ثلاثين قدما وحدائق العنب المحيطة بالمكان. وفي مضارب العجارمة لقي فريق البعثة حفاوة راقية تفيض بالنبل والسماحة (الوصف للمؤلف)، وكانت القهوة التي قدمت متقنة الصنع، وهي كما يقول عنها ترسترام "أحسن ما ذقت في حياتي"، وقد وافقت زيارة البعثة لمضارب العجارمة احتفالهم برأس السنة الهجرية. ويقول عن العجارمة بأنهم قوم أغنياء بالنفس والكرامة وذوو ثروة يستمدونها في الغالب من الزراعة أكثر مما هي من الرعي، فهم يزرعون مساحات واسعة، وتربطهم علاقات تجارية واسعة بقبائل ومناطق أخرى. وتلقى ترسترام هدية هي جلد فهد اصطاده أحد فرسان بني صخر، ويقول إنه الوحش الوحيد الذي سمعنا عن قتله في المنطقة، برغم أنا عثرنا على آثار للنمر في الأودية المنخفضة، ولكن الصحراء الممتدة وراء سهول البلقاء كانت مليئة بالظباء وبقر الوحش (المها)، ويقول شاهدنا قطيعا من الغزلان يبلغ مجموعه 40- 50 رأسا وهي تركض بهدوء خببا، وقد فشلت محاولات صيدها ومطاردتها بالخيل والبنادق، وكانت الغزلان تصادفهم قطعانا في جميع الأمكنة التي مروا بها، ولم تكن تبتعد مذعورة إلا بقدر يبعدها عن الخيل، وكانت بسرعتها ورشاقتها واثقة من نفسها قبل الاستخدام الواسع للبارود، ويتحدث عن بدوي من بني صخر رافقهم بعض الوقت لديه مهارة في اصطياد البدن بسيفه فقط، ويعتقد أنه لا يوجد أحد يشبهه في دقة الصيد، ويقول إن الثعالب والصقور والطيور كانت تقترب منا كثيرا وتربض بهدوء يتيح لنا مراقبتها وتحدق فينا باحتقار، كما شاهدوا أيضا أسراب البط البري في الأودية والمستنقعات وحول بركة زيزياء، وهي برأي المترجم إشارة نادرة. وزارت البعثة بإرشاد من الشيخ سطام الفايز آثارا إسلامية مثل قصر الخرانة وبقايا مدينة أم الوليد، وتبعد عن أم قصير خمسا وعشرين دقيقة التي تقع على تلة خصبة وفيها برج أثري، وقلعة زيزياء وبركتها. وجد ترسترام البدو متمسكين بأداء واجباتهم الدينية ويحترمون أيضا أداء الشعائر المسيحية من قبل أتباعها، ويحتقرون المسيحيين الذين يهملون أداء شعائرهم الدينية. وزارت البعثة الشيخ فندي الفايز الشيخ الاكبر لبني صخر، وكان يبلغ من العمر 65 عاما، واستقبل البعثة في خيمة مهيبة مفروشة بالسجاد ومحاطة بالوسائد الوثيرة، وفي المساء تحرك الشيخ فندي برفقة سبعمائة من هجانة بني صخر لمرافقة قوافل الحج وحمايتها في المنطقة الممتدة بين حوران والكرك، وانطلقت أيضا في الليلة ذاتها مجموعة من الفرسان بقيادة الشيخ صحن بن فندي ابن الثالثة عشر للإغارة على قبائل عنزة واستعادة الجمال المنهوبة من رعاة بني صخر. وانتقلت البعثة إلى مرتفعات وأودية مادبا برفقة أحد مشايخ بني حميدة،واصطادوا السمك بكميات كبيرة وفي فترة قصيرة وشاهدوا البط والصقور، "وكان من أجمل ما رأينا زهور الزنبق البري وعدد آخر من النباتات لم نشاهدها من قبل" وزارت البعثة حمامات ماعين الشهيرة، والتي كانت الملاذ الأخير لهيروديت الذي قصدها للعلاج، وينسب العرب مياه ماعين إلى النبي سليمان، ويعتقدون أنها ذات أسرار دينية، ويقدمون هناك الأضاحي عن روح خادم النبي سليمان الذي فجر الينابيع، وتمتاز منطقة ماعين بنباتات نادرة لا تنبت إلا على أملاح الكبريت الموجودة بكثرة في المياه. ويلاحظ المؤلف في جبال البلقاء ونواحي مادبا كثرة معاصر الزيتون التاريخية، مما يدل برأيه على كثرة الناس وكثافة الزراعة في العصور السابقة. ويعد المؤلف فصلا للنباتات والزهور في بلاد مؤاب، وهي منطقة تتميز بكثرة أعشابها وروائحها العطرية الزاكية، ومن أهمها الزنبقة السوداء (السوسن) واللوتس والرتم المذكور في العهد القديم بنفس الاسم. رحلات في شرق الأردن أرض مؤاب رحلات واكتشافات في الأردن والجانب الشرقي للبحر الميت (1872) LAND OF MOAB Travels and discoveries on the east side of dead sea and the jordan تأليف هـ. ب.ترسترام تعريب وتعليق: أحمد عويدي العبادي عمان، الأهلية للنشر والتوزيع الطبعة الأولى، 2005 431 صفحة هذه نبذه من الكتاب نشرت في صحيفة الغد الاردنيه اتمنا ان تكون اعجبتكم ونأسف على الاطاله لكن فعلا جذبني السرد الجميل للمؤلف واحببت ان انقله لكم هذه الاحداث في عام 1872 ميلادي
 
Make a Free Website with Yola.